لطالما شعرت بأن الحروف كائنات حية تحمل بداخلها شخصيات فريدة وأصوات مميزة. هي، أيضا، كائنات حرة تسافر للآفاق على ظهر الكلمات وتكبر معانيها مع امتداد المفردات وتوسع المصطلحات.
حرف واحد قد يتمرد فيصبح كلمة كاملة. وحرف واحد قد يُبارك فيصبح سرا غامضا.
هي الحروف التي أحب وأتمنى بأن تبادلني الحب وهذه طريقتي الخاصة أو بالأحرى محاولتي الأولى في توطيد العلاقة بيني وبين الحرف.
فلعله يكرمني بمعرفته أكثر ولعله يجود علي بجزء من سره.
حرف الصاد:
اخترت أن تبدأ السلسلة ببداية التغيير وأصله، سأبدأ بحرف الصفر حيث يبدأ كل شيء من حيث ينتهي كل شيء. حرف الصاد هو رفيقنا اليوم، لنتعرف على الصاد من نافذتي الصغيرة وربما تشاركوني جزءا آخرا من الصاد ترونه من حيث لا أراه لننعم جميعا بصداقة الصاد.
هو صورة الحياة وصدقها، وصف الحرف بالحرف الجاف فهو للصحراء ينتمي وبالصيام يعطش الأنام. يقولون أيضا بأنه صلب ومر فهو أبو الصخر ورفيق الصبار.
أما أنا فأرى بأننا عبر الصاد نصلي للصاحب الصادق الصبور صلاة صادقة تصفو بها الصدور، وأشعر بأن بالصاد أسرار لا يعلمها إلا من تبارك اسمه وتعالى حين اختار الصاد كسورة مكية في مصحف شريف تُصلح به القلوب.
يرافقنا الصاد في أصعب المهام فنراه على الصنارة ونحن نصطاد ونلمحه بالصامولة ونحن نصنع. والأهم، نشعر به في الصمت ونحن نصبر.
أنطق الصاد لأراقب الصوت فأشعر بقوة النبرة وحدتها وأكتب الصاد لأدقق بالتفاصيل فاستمتع بهيبة الحرف وتقعره. هو الصاد الغامض الثابت، هو الصراط والصحف، هو الصمود والصرامة. هو الصاد.. الذي لا يعلم سره إلا هو تبارك وتعالى.